أتشبث بالشعر ملاذا أخيراً وصوتاً قوياً
<< الأحد، 28 سبتمبر/أيلول، 2014
عمان – الدستور – هشام عودة
وصفت الشاعرة ماماس أمرير بأنها كاتبة شكلتها الحياة بطابع غريب، وكاتبة لمحت حزنا بداخلها فتشبثت به، يربطها بعالم الكتابة فرح وحميمية عميقة، لتقول إن الشعر هو الكوّة التي أنفذ منها إلى داخلي، وبما أن العالم يقتل نفسه كل يوم، وهو معرضٌ للنزوات العابرة، فإنني أتشبث بالشعر كملاذ أخير، وكصوت قوي للتعبير عن فشلنا، عن انكسارنا، وعاهاتنا، آلامنا، وعمق معاناتنا، بعد أن فشل المنظرون في إيصالنا إلى بر الأمان.
وترى ماماس، عضو رابطة الكتاب الأردنيين، أنها بحاجة لتفريغ كل الغضب وكل الحب الذي «بداخلي، فأنا بحاجة لأن أستعيد ذاتي وأرتب روحي، ليستعيد الآخرون بدورهم ذواتهم، وأظن ان هذا الهدف الحقيقي لكل مبدع، فالكتابة وسيلة لتنظيف أعماقنا من الترسبات والأمراض التي تلقيناها طيلة حياتنا، الكتابة وحدها من يحرك هذه الكتل الراكدة بالأعماق».
وتقول، إن غربتي تقع في المرتبة الأولى من معاناتي، إنها قدر مرعب، لكنني أعيشه بحميمية بالغة، وأتعامل معه كطيف لطيف يحملني إلى مكان قصي، رغم أنه يجرحني كثيرا، صحيح أن بعض الملامح تذبل بداخلي، لكنني أحاول أن أكون أكثر انسجاما مع حزن هذا العالم، وحين تؤجج الغربة حنيني، تكون الكتابة صديقة حميمة، للتخلص من الشوائب التي يفرزها الواقع.
أما الآخر بالنسبة لي تقول ماماس واعني به (المتلقي) فهو مبدع آخر بلا شك، ومن دون قارئ ذكي تصبح عملية الكتابة غير مكتملة، فما يربطني بالقارئ: الصدمة، صدمة الحياة التي تجمعنا، وصدمة الفكرة، وصدمة ردة الفعل، رغم أنني أتفهمُ الصعوبات التي نجدها في التواصل بين مبدع ومبدع، ومبدع ومتلق، فالهزيمة افقدتنا الكثير من الوضوح، وأصبح هذا السؤال (الذي ألقاه ذات إبداع ألبرتو منديس) ملحاً لنفهم طبيعة الكتابة والمتلقي: ما الذي يمثله مهزوم بالنسبة لمهزوم آخر، حين ننحت في الجرح ينهض الكثير من الألم، المثقف المهزوم والمتلقي المهزوم، إذن هناك أزمة كبيرة بالفعل، رغم أنّ اكتظاظا كبيرا يبدو جليا في كمية الكتابة دون أن نسجل أي قيمة حقيقية في الحياة الثقافية، وهذه النتيجة محزنة.
غير أن الكتابة عندها تظل هواية ورغبة روح تعبر عن ضيقها، عن أزمتها، وهي مثل الهواء لا يمكن الاستغناء عنها، نافية أن يكون لها طقوس معينة للكتابة، إذْ تؤكد وجود تواصل حميمي مستمر مع الكتابة، فكلما كتبتني أدوِّنها، وكلما غادرتني أحس بالعقم، وفي العادة فإن أحَبُّ الأوقات عندي للقراءة أو الكتابة هي فترة الصباح، لكن بَرْقَ الفكرة يمكن أن يأتي في أية لحظة وفي أي مكان، لذلك دائما أحمل قلما وورقة.
وترى الشاعرة ماماس صاحبة ديوان «نوافذ عاشقة» بالاشتراك مع عدد من الشعراء المغاربة في الكتابة وسيلة قوية وشاسعة تستوعب كل ما من شأنه أن يرهقنا و يشغلنا، غير أن المشكلة تبقى في الحرية، مشيرة إلى أنها تكتب عن غبطة الوجود وما يزعجها ويزعج الآخرين أيضا، وترى كذلك أن الخاص يلقي بدفقه على العام، فتصبح المعاناة متصلة ببعضها، ورغم ذلك لا أكتبُ إلا نسبة ضئيلة من أفكاري الفعلية، لأن مساحة الحرية في العالم العربي تظل محدودة جداً، ويزعجها أن النظرة للمرأة ما تزال ناقصة ويحفها الكثير من التحذيرات والإشارات، وهناك تبرّم كبير من الكتابات الحقيقية، حتى من المثقفين، وهنا تعتقد ماماس أن حجم الصدمة قد يكون غير مناسب لمستوى تقبّلها، وهناك باستمرار من يدفعك للإحساس بالذنب، وما يشغلني الآن هو محاولة توسيع هذه المساحة شيئا فشيئا، رغم أن النتيجة تكون دائما سيئة في التعبير عن النفس، لأن الآخر يفرض عليك مساحة أخلاقية معينة تشوّه الإبداع، وتضطر معها إما للرضوخ واللجوء إلى الهدنة، فتخسر نفسك، أو كسر العديد من المفاهيم عن أخلاق الكتابة وكسب نفسك ومستقبل الإبداع الذي لا يتم إلا تحت سقف حرية عالٍ، إن هذا يشعرني بالرداءة والنقصان، لذلك أكره الادعاء في الكتابة الإبداعية، وقد حلمتُ دائما أن أكون كاتبة سيئة بحجم سوء هذا العالم.
وتؤكد الشاعرة ماماس على الجانب الآخر في علاقتها بالكتابة فتقول: هو ثقافتي الأمازيغية، أكتب بتأثر كامل بالشعر الأمازيغي، وهذا منح كتاباتي ونصوصي ملمحا خاصا، فهي تحمل في الغالب هذه البصمة، بالإضافة إلى التأثر الغني بالثقافات الأخرى، فالمغرب ذو ثقافة أمازيغية عربية، والمعروف بانفتاحه على الثقافات الأخرى البحر متوسطية كالفرنسية والإسبانية، كذلك الفترة التي عشتها في الأردن، بالإضافة إلى تجربة الحياة مع كاتب ومفكر أردني كبير، كان لها تأثير مهم، فكانت حصيلتي زاخرة بزخم ثقافي متنوع، لا يمكن إلا أن تجد بصمته في كتاباتي.
وحول حركة النقد قالت الشاعرة ماماس إنني سأتحدث بصراحة، فالنقد في العالم العربي تنقصه الرعاية والحدب وتحكمه الكثير من التشنجات والمحسوبية والعلاقات والمداهنات والمجاملات، ولا يمكن الاعتماد على حالة النقد لدينا لإنتاج حالة من التوازن بين المبدع والناقد، فأغلب النقاد لا يلجأون إلى النقد أو دراسة نص ما لأنه يستحق، لكن بحكم العلاقات الشخصية يكتبون نقدا، أو هجوما أحيانا، هذه الحالة أصبحت ظاهرة سلبية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق