السبت، 6 أغسطس 2016

روابط قصائدي

http://www.aljasraculture.com/page/2/?s=%D9%85%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%B3


http://www.aljasraculture.com/?s=%D9%85%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%B3

لماذا نجد تماثيل بأعضاء تناسلية صغيرة؟

لماذا نجد تماثيل بأعضاء تناسلية صغيرة؟: رونى غروسار

*عن مدونة جورج باتاي


ترجمة: فاطمة بوصوفة

«في روما، ضخامة القضيب مرعبة» يقول المؤرّخ تييري إلوا.
بعيداً عن مخيال المشاميل والكليشيهات الأخرى، كان العضو التّناسلي عند الرّومان يرتكز على نظرة مختلفة للزّوجين.



حوار مع المؤرّخ تييري إلوا أجراه الصّحفي الفرنسيّ رونى غروسار منذ أربع سنوات ويعيد نشره على موقع: نهج 89 نوفال أوبسارفاتور بتاريخ 2016/07/07

تناقلت العديد من صفحات الموقع الاجتماعي الفايس بوك خلال الآونة الأخيرة نشر فيديو مأخوذة عن موقع مجلّة نيويورك.


 أين نشاهد من خلالها تفسيراً عن أسباب صغر حجم أيور لتماثيل قديمة:
«في اليونان القديمة كانت الأيور ذات الحجم الصّغير لها الأفضليّة عن الأخرى الضّخمة... إذ تقترن هذه الأخيرة بالبلاهة، بالنّفعية، وبالبشاعة»

في سنة 2012 كنّا قد حاورنا المؤرّخ تييري إلوا الذي قام بتقديم شرحاً مفصّلاً عن النّظرة الرّومانيّة للحبّ والجنس.
عُثِرَ بالقرب من منطقة لا تاميز بلندن، على قطع نقديّة لمشاهد برونوغرافيّة؛January   مع بداية شهر جانفي أين نرى زوجين في وضع جماع.
مبدئيّاً وحسب مصدرنا -لو غارديان- كانت تُعْتَمَدْ هذه القطع النّقدية كعملات للتّداول بين الروّمانيّين داخل المواخير، بيوت الدّعارة في ذلك الزّمن.


القطعة النقدية المشار إليها بمقالة نشرت بالغارديان

كانت الفرصة جيّدة إِذاً لمحاورة  تييري إلوا، الأستاذ المحاضر الّذي تناولت بحوثه المثيرة هذا الموضوع كما يشير إلى ذلك عنوان كتابه حول: "الأيروتيكا الذّكوريّة في روما القديمة".


الأيروتيكا الذّكوريّة في روما القديمة



س. ما عدى هذه القطع، هل كانت توجد برونوغرافيا رومانيّة؟ بذهني تحديداً فسيفسائيات بومباي، التي يقال إنّها كانت تعمل على إثارة الزّبائن والإعلان عن اختصاصات المومسات...
ج. أُعِدَّتْ هذه الأنواع من القطع النّقدية الصّغيرة واللّوحات الأيروتيكية لِتُسْتَخْدَم كرموز داخل المواخير، باعتبارها أماكن انسكاب المتعة.
إنّ حياة الرّومان شديدة التّقسيم كحجرات. هل كان يوجد برونوغرافيا في روما، أجل. لَكِنْ، موجّهة لمن ومتى؟ لا يمكننا أن نتصوّر رجلاً رومانياً يتحدّث عن الحرب وفجأة ينتقل للحديث عن الجنس. الفضاءات جدّ محدّدة.


فسيفسائية ماخور ببومباي
يقسّم الرّومانيّ أيّامه إلى جزئين: في الصّباح يخصّص وقته للمواطن العسكريّ؛ ثمّ عند الظّهر، ينتقل إلى الحمّامات العموميّة. وهي تعتبر ضرّوريّة، مثل منخل انتقاليّ ما بين جديّة الصّباح والفضاء الخاصّ ألا وهو مأدبة ما بعد الظّهر.



س. أكّدت في كتابك على نظرتنا المحرّفة للجنس داخل روما القديمة...
ج. نعم، على سبيل المثال، غالباً ما قلنا إنّ الرّومان كانوا يمارسون اللّواط منذ العصور القديمة. ولقد تمّ البحث عن نموذج مدهش، للتصدّي ضدّ التمييزات العنصريّة  الحالية.
غير أنّني أتحدّى أي شخص أن يترجم لي كلمة المثليّة الجنسيّة للإغريقية أو للاتينية، وحتّى الثّنائيّة الجنسيّة، أو حتّى كلمة جنسيّ وحسب. إن لم توجد هذه الكلمات فلا وجود لممارسات جنسيّة مماثلة.
ما نسمّيه اليوم بالجنسانيّة ما هو إلاّ تصوّر منبثق عن مادّة التّحليل النّفسي. هي تركيبة داخليّة شاملة في علاقتها الأولى الّتي تضمّ صلة الآباء بالبيئة الاجتماعية. أن نرغب في إسقاط هذا النّموذج الّذي أفرزته البرجوازيّة الرّأسماليّة على روما القديمة فهو عين المغالطة التّاريخيّة.
هذا لا يعني أنّ الرّومان والإغريق لا يدركون اللّذّة، لكنّها بعيدة كلّ البعد عمّا نسمّيه الجنسانيّة.

س. يوجد أيضاً كمّا من تلك الأساطير الّتي تحوم حول اللّواط...
ج. آه، اللّواط، ذاك الموضوع الشّهير...علينا أوّلاً أن نذكّر بماهية اللّواط.
 عند الإغريق يحتاج الأفراد الانتقال من عالم الطّفل. هي مرحلة تعليميّة.
 ولكن، كما في كلّ الثّقافات، فاليوم لن يكون إلّا ضرباً من رخصة سياقة، أو أوّل علاقة جنسيّة أو ما شابه.
عند الإغريق، تجري الأمور على هذا النّحو: راشد حرّ -بلغ الخامسة والعشرين من عمره- وهذا يستثني العبيد والنّساء- يقوم بمواقعة ابن جاره البالغ سنّ السّادسة عشر أمام أنظار الجميع. إنّها ليست لحظة حزينة، بل بالعكس تعقبها حفلة محلّاة بشرائط من الزّينة، ولها أيضاً لباس مخصوص، إلخ.
إذا لم يكن الفتى موضوع شهوة من طرف آخر فستلحقه الشتّيمة العلنيّة. وتجد أب الفتى هو من يحرّض بنفسه على هذه المواقعة قائلاً:
«هاي، أسرع بإغواء ابني أليس ابني جميلاً؟»
إثرها، يذهب الشّاب صحبة "مختطفه" داخل الأدغال ويبدأ بعدها، مثلما يحدث تقريباً عند بعض القبائل طقس الولوج: الأكبر سنّاً هو من يطأ الأصغر.
غير أنّ في الأخير، يعود الزّوجان إلى المدينة لوحدهما. ليصبح المغزى من هذه الرّحلة هو اجتثاث الابن عَلناً من دائرة العائلة. يساعد هذا الطّقس الإدماجي خلال عمليّة البناء الثّقافي عند الإغريق في تحسّس الشّاب الجانب الأنثوي والرّيفيّ قبل أن يقوم بالتّخلي عنهما إلى الأبد، بما أنّه سيصبح بعد هذه التّجربة ذَكَراً داخل مجتمع مدنيّ.
لكنّ هذه العمليّة البنائيّة لا تحتوي على أيّ شهوة، هي  فقط فرض وهي مسألة اجتماعية بحتة.


س. وماذا عن روما؟
ج. اللّواط إغريقيّ. ولطالما رفضوا الرّومان استقدام هذا النّموذج إلى روما. قَبِلَ الرّوم ذلك، وسمّوه الحبّ على الطّريقة الإغريقية، لكن بالنسبة لهم هو أمر غريب دخيل.
في روما، الأب هو من يدرّب ابنه على سنّ البلوغ، إلّا أنّ ارتكاب المحارم محجّر كليًّا. فلا مكان للجنس في هذه العلاقة.

س. كيف يرى الرّومان اللّذة؟
ج. بَدْءاً، علينا أن نوضّح أنّ الفرد الحرّ (امرأة أو رجلاً) لا يمكنه أن يقيم علاقة شبقيّة، فهو جسد غير قابل للولوج، إنّه جسد مغلق. جسد ممنوع من اللّذّة.

فسيفسائية ماخور ببومباي
هذا لا يعني أنّ الرّومان لا يعرفون اللّذّة، إلّا أنّها تختلف كليّاً عمّا نسمّيه نحن الجنسانيّة. لن يجد الرّجل أيضاً  اللّذّة مطلقاً عبر الأير أو عن طّريق الشّرج، لأنّ الأمر يتعلّق باتّصال مع  باطن الجسد. في حين أنّ باطن الجسد هي مكوّنات لزجة ومخّاطيّة. ليست إلّا "نزوات". نحن أكثر اتّصالاً بما يشكّل الجمال اللّائق للجسد: ألا وهو الجلد.
لأنّ اللّذّة عند الرّومان تكمن في البوس على الجلد. بل أفضل من ذلك، فالبوسة تتّم أيضاً حول الفم. إِذْ المنشود تبادل الأنفاس. لا يعتبر الرّومان أنّ ذروة اللّذّة تكمن في القذف.
في روما، وعند الرّومان تعتبر البوسة هي أوج اللّذّة. فالنّفس هو خلود الدّفء، هو النّعومة، العفّة والرّائحة الطيّبة. إنّها ليست متعة منويّة، بل هي متعة هوائيّة.




س. مع من يتمّ البوس إِذاً؟
ج. يتمّ دوما مع الرّجال والعبيد، بما أنّ الرّجال الأحرار ممنوعين من الاشتهاء. ويجري كلّ هذا أثناء مآدب ما بعد الظّهر. هناك يتمّ تليين جسد صلب من جديّة الصبّاح.
وخلال المأدبة، لا نأكل لأنّنا جوعى. نحن نأكل لنكون مَعاً. يصل العبد، يوزّع الطّعام، وتأتي الشّهوة إثر ذلك ولكن، من دون أيّ ولوج. تبدأ المتعة أوّلاً من خلال تبادل النظّرات. ثمّ يختار المواطن العبد وحينها تبدأ القبل.

س. لكن ماذا يجري إِذاً فوق فراش الزّوجيّة؟
ج. يُعَنْوِنُ أطّباء النّساء هذا التّواصل بـ: «الانسكاب المنوي».
إنّها تمطر، إجمالاً. تستلقي المرأة وتنتظر أن يُفْعَلْ بها. يتمدّد الرّجل فوقها، يسكب منيّه ويصنع أطفالاً.
إلّا أنّ هذا اللّقاء ليس ممارسة للّذة، بل هي ممارسة مدنية: الأمر يتعلّق بإنتاج مواطنين. ونحن نعلم جيّداً أنّ الأمر مضجر حتّى: حيث أنّنا نطفئ الأنوار، نغلق الستّائر، رغم أنّ العمليّة لا تستغرق وقتًا طويلاً وكلّ العالم يعتبرها مشقّة، تسبّب أوجاعًا بالظّهر وتفرز الدمّل.

س. ما الّذي ليس له قيمة في روما؟
ج. "المضاجعة". الرّجل الحرّ هو فقط مواطن يمارس السيّاسة وعسكريّ يقوم بالحرب. في مجتمعاتنا هذه، رجل كثير المضاجعة يعتبر زير نساء.
من إحدى مميّزات الحياة في روما، عندما يريد أحد أن يُوقِع بخصمه السيّاسي ّيقول عنه:«إنّه يضاجع». نقول على سبيل المثال عن سيزار حين نريد مهاجمته فوق ميدان روما «إنّه زوج كلّ النّساء» وبالتّالي فهو «امرأة كلّ الأزواج». الاستنقاص من قيمة الجسد يؤكّد أنّ المواطن ليس جديراً بأن يكون رجل سياسة ذا رفعة، أو أن يكون مواطناً عسكريّاً.

س. هل توجد شتائم؟
ج. أجل، إحدى الشتّائم الدّائمة أن تقول: «هذا الشّخص له زبّ ضخم.» أو «أنت، معروف جدًّا: تستقبل شبّاناً ذوي زبوب ضخمة» في روما، ضخامة القضيب مرعبة، استنقاص للقيمة، لأنّه جسد غير متناسق. حتّى أنّنا نلحظ على التماثيل الرّومانية أيوراً ذات حجم صغير.

فضلاً عن هذا، فالشتيمة الأخطر لا أن تقول عن أحدهم لقد وُطِىء -حتّى وإن كانت هي سبّة فعلاً- الأفظع بأن تقول: «هو يحبّ أن يمصّ.» علينا أن نعود إلى أصل إشتقاق كلمة "المصّان"
فحين ترى المربيّة الرّضيع يبكي، تعطيه الثّدي، "فيمصّه". لكنّها تفعل ذلك قصد منعه من الكلام ومن البكاء. لهذا فإذا قام أحدهم بعمليّة الرّضعة\المصّان بنفس الطّريقة، فلن يعود باستطاعته الكلام والرّومانيّ هو مواطن يتكلّم.

س. وماذا عن النّساء من كل هذا؟
ج. المرأة الحرّة لا تمتلك اللّذّة. هي تتلقّى تربية بعدم اكتسابها. على المربّية أن تلقّن البنت الصّغيرة تجاهل لذّة جسدها. المرأة الرّومانيّة قدرها أن تنجب. حتّى أنّ في روما المرادف لكلمة المرأة الحرّة هو "البطن". من أجل هذا علينا أن لا نعود لروما القديمة.
كما يصل إلى درجة -إذا ما كان الرّجل الحرّ يفرط في الاستمتاع مع زوجته– أن تذهب المرأة وتشتكيه لحماها فيأتي الأب ويوبّخ الزّوج.
وهنالك أيضاً محاكمات لرجال جُرْجِرُوا للمحاكم لأنّهم أزواج خانعون لزوجاتهم: متعلّقون جدّاً بأجساد نسائهم.
ثمّ يقول لهم النّاس: «ولكن إن كنتم ترغبون في إفراغ خُصْياتكم فاذهبوا إلى الماخور!»


كانت توضع بمدخل البيت لدرء سوء الحظ \ نفس المصدر"شرننات" أجراس


س. أليس مشينا الذّهاب للماخور؟
ج. لا! فالماخور يُسْتَخْدَمُ لتفريغ السّائل المنوي والنّزوات. ثمّة حكاية مشهورة جدّاً: ذات يوم رأى كاتون الأكبر-وهو مواطن رومانيّ شديد التقّشف- شابّاً يتردّد في الدّخول إلى ماخور والمواخير منتشرة في كامل روما.
فقال له:
«هيّا!هيّا! امضي قدماً! عليك أن تذهب فهذا هو الدّليل على أنّك لن ترتكب تصرّفات مشينة مع زوجتك.»
إلّا أنّ في اليوم التّالي رأى كاتون الشاب نفسه عند باب الماخور فقال له:
«الذّهاب إلى هناك مرّة واحدة محمود، ولكن يومين متتالين فيصبح أمراً فائضاً عن الحاجة!»
ما يعدّ مُشِيناً فعلاً هو الإفراط في زيارة الماخور. لا بدّ من الانضباط. نذهب للماخور لنلتقي بالقحاب من النّساء والرّجال. لا يعنينا جنس من يقوم بالعهر، نأتي لرؤية عبد والأهم أن لا يفرغ في زوجته لأنّ حينها سيقع اعتبارها أمة.

س. في الواقع، نحن بعيدون جدّاً عمّا شاهدناه في السّينما...
ج. فعلاً، هذا هو المقصد من تلك الأفلام مثل "الغلادياتور" أو ذاك النّوع من المشاميل. لتطلعنا أكثر على ثقافتنا المعاصرة! لكن هذا أمر جيّد جدّاً.
إذا أردنا الإطّلاع على التّاريخ الرّوماني علينا بكتب التّاريخ.

الجمعة، 15 أبريل 2016

كُلما أنجبتُ رجلاً

كُلما أنجبتُ رجلاً: خاص ( ثقافات )خِصالي لمْ تَعُدْ بَيْضاءْ مِنْ داخِلي تَفيضُ نافورَةَ نَبيذٍ ... ويَمْتَليءُ الفَضاءُ بِهَواجِسيحينَ بَكيْتُأنْجْبتُ الكَثيرَ مِنَ الرجالْوأعْطَيْتُهُمْ أسْماءَ وَهْمِيَةْيَقولُ اللَيْلً أنّني مَسّدْتُ أحْزانَهمْ دون أنْ أشْفي جِراحيفأخْطأتُ الطَريقَ إلى الحُبْ أوَيْتُ إلى ظلٍّيَجْهَلُ

ثقافات \كلما أنجبت رجلا

الأحد، 20 مارس 2016

العالم، اللغة والجسد؛ تأملات في المعنى..: جان لوك نانسي

العالم، اللغة والجسد؛ تأملات في المعنى..: جان لوك نانسي


أجرت المقابلة: كاتي لوبلان
ترجمة: الأزهري ريحاني

يتناول جان لوك نانسي(*)، أحد أكبر الفلاسفة الفرنسيين الحاليين، في هذا اللقاء مع "مجلة أيس" قضايا "العالم" و"العولمة"، "السكنى"، "العالمية والمحلية"، "الآخر والجسد" ممّا يشكّل  بالنسبة له "المعنى" في عالم متغير.
******





أيس: لقد أبديت في كتابك "خلق العالم والعولمة" آراء حول مسائل كثيرة. هل تعتقد أنه ما يزال ممكناً اليوم تفكير الإيتوس بطريقة هيدغر؟ وهل السكنى(**) الشعرية في نظرك ما زالت ملائمة لطبيعة العيش الذي تفرضه علينا العولمة اليوم؟ هل تعتقد أن السكنى الشعرية أمر ممكن في فقدان الجذور؟


JEAN-LUC NANCY By Luca del Baldo
جان لوك نانسي: نعم بالطبع، وحتى أقول ذلك الآن ومباشرة وبطريقة مبسطة، أعتقد أنه لا يوجد ثمة ما يمكن أن يعارض فكرة أنه يمكننا إيجاد طريقة أخرى في السكنى؛ إن التجذّر، المحلية والمجاورة، ومفاهيم وصوراً تصور"الريف" و"المدينة"، "الحي" و"الجهة" تضمنت هي أيضاً قدراً من الصعوبات ومن المحدودية. علينا ألاّ نتسرع في الحكم عل عالم ماض في إرباك طرقنا الأكثر ثباتاً في "السكنى" وفي "التجذر"، في الانتماء إلى"وطن" أو"ثقافة". إن كل واحد من هذه الانتماءات كانت أكثر جوراً ممّا نريد أن نستذكر من جهة، وأقل بساطة وتوحيداً مما نحن نعتقد، من جهة أخرى.
 لقد كنا ننتمي في القديم إلى عدّة مناطق، ننتمي في القديم إلى عدة مناطق، إلى لغات عديدة ومساكن عديدة.. وكنا أكثر حرية في الحركة مما نحن عليه في أحيان كثيرة اليوم، حيث تلغي سرعة التنقل أحياناً حقيقة الحركة.
 إن الإيتوس، مثلما يفكره هيدغر، لا يتجمّع بشكل أساسي في "السكنى" المتجذرة، وإنما في التأهب المتشدد نحو اللغة.
إن "السكنى شاعراً" تعني تأسيس السكنى على ما يقتضيه القول. وهذا الاقتضاء هو ذلك الذي يعني أنه لا ينبغي أبداً الاعتقاد أنه يمكن أن "ينجز" معنى ما، أو أنه يمكن العثور عل معنى جاهز. فما اللغة إلا وسيلة للتوليد غير المحدود للدلالات..
 والتفلسف هو عدم التخلي عن السأل عما يعنيه "التفلسف". بل أكثر من ذلك، هوأن نفهم أن التفلسف يستمد قوته من أنه غير قابل لأن يختزل إلى معنى، إلى مفهوم، إلى معرفة أو إلى مهارة..
أقول هذا ليس من أجل رفض كل هذه التخصيصات، الدلالات أو المماثلات لتبقى "الورشة" مفتوحة باستمرار ولكن شاغرة.. كلاّ. ينبغي علينا أن ندلّ، أن نقول، أن نسمّي وأن نصوغ كلّ ذلك، ولكن في مرحلة ثانية ينبغي أن نسائل، أن نشكّ، أن نراجع "المعنى" وأن نراجع أنفسنا.
فهل ينبغي أن نسكن في التنقل، في الترحال والسفر..؟ السكنى لا كمحض مقيم ولا كمحض مرتحل، ولكن كمسافر.. نعم.. فليس المسافر ذلك السائح صاحب الفضول، لكنه ذلك الذي يسكن التغرب.. إنّ التغرب شرط للعالم: فلكي يكون هناك عالم ينبغي عبور البلدان.


أيس: كان فكتور هيغو يقول أنه لكي يأمل امرؤ أن يصبح شاعراً يوماً ما عليه أن يهتم بالترجمة. فهل يشكل السفر، بالمعنى الذي تستعمل به هذه الكلمة هنا وبكل ما يحمله من "جهد" اقتباسي، معادلاً وجودياً لترجمة كهذه؟ وهل يعدّ السفر شرطاً مسبقاً للترجمة بما هي تعبير شعري؟

جان لوك نانسي: إنه لأمر حساس جداً.. نعم، ولكن السفر دون التنقل من بلد إلى آخر، ودون التخلي عن العادات.. سفر كهذا لا يقوم عل قرار أوبرنامج. إن الأمر يتعلق بأن نترك أنفسنا ننجر إلى طريق أخرى. وليس من شأن التغرب أن يأتي عنوة، فهو إمّا أن يحدث أو لا يحدث. إن الإحساس بالغربة إحساس شديد القوة وعلينا، متى أتى واستولى علينا، قبوله كنعمة. وليس هناك من تعارض بين هذا النوع من السفر وبين السفر الحقيقي.
 من الجميل أن يستولي علينا جمال الصحراء مثلاً، أو شوارع مدينة القاهرة، أوهيوستن، موسكو أو طوكيو. وإذا لم تمنعني صحتي من ذلك فسوف أسافر أكثر لأتذوق الهند وأفريقيا خصوصاً. وليس عن طريق السفر فقط يمكننا أن نكتشف أو أن نتعلم. كلاّ، إننا نحسّ بالغربة (أي ليس ذلك الاغتناء المفترض عن طريق الاختلاف، وإنما العوز والتجرّد والعري: إننا نحس بأن التعدد والاختلاف هما بالقدر الذي يصعب مواجهته.. وأنه لا يمكن أن نقيم أوصالاً هي مستحيلة؛ نشعر بإنسانية مختلفة عن الإنسانية ذاتها [التي نعرف]، وكيف أن كل شخص يوجد في مسكنه وكيف أن هذه المساكن تبقى بعيدة عن بعضها البعض.. هذه هي سكنى العالم، إنها استحالة إبقائه مجتمِعاً.

أيس: من العالم، من السكنى، من التغرب.. إلى الجسد.. الجسد الذي يواجه ذاته في مؤلفك. هل يتعلق الأمر بـ جسد-في-العالم؟ وهل يمكن أن يكون كل جسد جسداً في العالم أو "وجوداً في العالم"؟

جان لوك نانسي: لا يواجه الجسد نفسه -أقول هذا على فرض أنه يمكنه ذلك- ولكن بمعنى ما، يواجه الجسد نفسه بالنظر، باللمس، الخ.. بدون أن يوجد في العالم طبعاً، لأن العالم ليس إلاّ مجموع يتقارب الأجسام الحيوانية والنباتية والمعدنية. ومجموع تلك الأجسام ليس جسماً، إنه تجاور يتعلق فيه الكلّ بالكل.. الجميع يستند على الجميع، يتقارب أو يتنافر.
 لكن، لأرجع إلى ما كنت بصدده من قبل: إن مجموع "العالم" لا يقوم عل التجميع، فهو ليس مُجمّعاً؛ لا هو تركيب لعناصر ولا هو اجتماع منظم. إن الأجسام تطلق إشارات تجعل قوى ما تتحرك، وتخلق مساحات (تنقص أو تزيد) بينها، أو تمّحي إلى غاية حدودها الخاصة، وإلا فإنها ستنصهر.
إن العالم هو هذه اللعبة، هو هذه الشبكة المتكونة من الفوارق والمجاورات، أي إمكانية تنقل ما يصدر عن الأجسام ولكنه ليس بجسم، إنه "المعنى". إن الجسد مواجهاً لنفسه هو الجسد مواجهاً للمعنى الذي يصدر عنه وعن الأجسام الأخرى.

أيس: عندما تصور العالم كلعبة، كشبكة فوارق، وعندما تؤكد على أهمية ما يصدر عن الأجسام.. هل تعتبر مقاربتك نتيجة فكر يهتم بـ"البرانية"؟ وأنا أطرح عليك هذا السؤال فإني أفكر في الطريقة التي ينظر بها ميشال أنري (Michel Henry) إلى الفلسفة الغربية في كتابه "في الفينومينولوجيا" والتي يصفها، تحديداً، بالفكر البراني. أين تضع نفسك أمام حكم كهذا؟

جان لوك نانسي: لا أعرف بالضبط ما المقصود–"فكر البرانية" لا في عموم هذا الاستعمال ولا في السياق الخاص لـ ميشال أنري. وإني لأعترف أنني لا أحبذ الدخول في هذه المعارضات. إن الجواني والبراني متلازمان، ويتشكلان معاً: الواحد منهما يتشكل بالآخر ومن أجله.. أو قل الواحد منهما يوجد في الآخر.
ليس هناك خارج (خارج العالم، خارج النص، خارج الذات)، وما يفرض علينا نفسه ويستدعي اهتمامنا، ما يفاجئنا دوماً وفي كل مرة، هو "خارج مطلق"، خارج هو من البرانية بحيث لا يوجد "فيه" شيء.. لا ينتمي شيء إلى أي شيء.
 لهذا أقول أننا "بالداخل" مطلقاً، وأن هذه "الجوانية" تتأثر مبدئياً بدخالة "البراني" وانبجاسه العنيف وانفتاحه، حيث يتلاشى كل ما هو "جواني". وما يمدنا بالمعنى هو تقاسم ذلك "البراني" غير القابل للمقاسمة. إن العالم لهُو "الجواني" الذي يشتمل على "البراني" كنفي داخلي..

أيس: برأيك، ما هي المقولة، وما هو الشعور والمؤثر، التي ينبغي توافرها، في إطار العلاقات الإنسانية، لجلب المعنى أو لنحته من جديد؟ وهل تعتقد أنه يمكن للرغبة، بوصفها مقولة أنطولوجية، أن تضبط العلاقات بين البشر؟ ولماذا؟ وهل يمكنها تجمع البشر في إطار الأخلاق والكرامة؟

جان لوك نانسي: سأجيبك مع أني قد أكون مجرِّداً جداً في ردي. نعم، أعتقد أنه يمكننا تفكير الرغبة بهذه الكيفية. أي التفكير فيما يمكن أن يشكل، وحده، "معنى" (وليس "دلالة" بيننا، أي بمعنى التنقل) وهو الرغبة، إذاً فهمنا الرغبة ليس باعتبارها الاشتهاء، الاندفاع نحو ..، أو الحاجة إلى الاستحواذ على شيء ما، وإنما باعتبارها الحركة التي من خلالها نعطي عندما نأخذ.
إنه غالباً ما يُنظر إلى الرغبة باعتبارها الرغبة في أخذ شيء ما –وهوما أصفه بالاشتهاء-، الاندفاع أو الحاجة.
ولن أنكر أن هذه الحركة تجاه الآخرين تشبه تلك التي تتجه نحو الأشياء (بالمعنى المألوف). هذه الرغبة لا تُسهم في إنماء كينونتي وإنما في إنماء ما أمتلك. يكون هناك إنماء لكينونتي عندما آخذ شيئاً ما (وقد يكون هذا الشيء شخصاً) ولا أشبع رغبة إلا بالقدر الذي أجد نفسي، في الأوان ذاته، مدفوعاً إلى أبعد.. إلى أن أرغب أكثر. وهكذا فإني عندما أشبع جوعي فإني لن أرغب في الأكل أكثر؛ بينما عندما أتلذذ بأكلة لأنني استمتع بطيبتها وبتعقد تركيبتها، وبمهارة إعدادها، فإني أرغب في الاستزادة، ليس زيادة في الكمية ولكن لتجديد ذلك الإحساس، تلك اللذة وذلك الذوق. والأمر نفسه عندما ألتقي شخصاً ما: يمكنني أن أكون راضياً، إلى حد ما، عن استجابته لما أنتظره منه (ما تعلق بالعلاقات المهنية مثلاً، العلاقات الحميمية، العاطفية والجنسية، أو الجمالية)، كما يمكن أن أنجذب نحو اشتهاء أكبر، و[الرغبة] في أن أكون أكثر [ممّا أنا عليه]: متضامناً، رفيقاً، صديقاً، حبيباً، وأن أحسّ مع الآخر أو فيما بيننا، بمزية ما نتقاسمه. قد يبدو كل هذا "ساذجاً" أو حتى مثالياً، ولكنني أجد نفسي راغباً-أو مدفوعاً إلى الرغبة- في الاعتقاد العميق بأنه هكذا ينبغي أن يكون الأمر.
ظل هناك إمكانيتان وحيدتان: فإمّا أن يظل مجتمع ما متماسكاً، ما توفر على قوى فاعلة فيه تُبَنْينه (الأساطير، الطقوس، المماثلات "الطوطمية" أو "الرمزية"، وكذا مراكز وأدوار وظيفية، أبوية، تراتبية) يمكن تحديدها، أو أن نمكّن الرغبات في مجتمعنا، الذي لا يتوفر على أشياء كثيرة مما ذكرت، من أن تجد طريقها إلى التحقيق. ذلك أن الرغبات هي، في نهاية المطاف، كلّها رغبة في أن يُعترف لها بأنها موضوع للرغبة، أو قل إن الرغبة هي "أن نكون مرغوبين" كموضوع للرغبة.
إن الحديث هنا هو أساساً وفي نهاية الأمر حديث عن الحب. هذه كلمة تبقى غير واضحة، وليس من قبيل المصادفة أن تكون مصدراً لكثير من اللبس. كما أنه ليس من قبيل المصادفة أيضاً إذا كان يلازم حضارتنا "الحب المسيحي" الذي هو، في آن واحد، أبشع أنواع الرياء الديني من جهة، والجواب الوحيد، كما يقول فرويد، عن العنف، والذي يمكن أن يكون في مستواه، من جهة أخرى. إنه جواب مستحيل وغير قابل لأن يُمارس. ولكن، ماذا لو تعلق الأمر باكتشاف أن رغبتنا هي رغبة في المستحيل؟
كلام كثير يمكن أن يقال. بيد أنني أريد التأكيد على ما يلي: عندما يعرف شخص ما أنه مرغوب كموضوع (للرغبة) فإنه يمكنه، آنذاك، أن يرغب بنفسه ذاتها.. يمكنه أن يُعجب بذاته. ولا أحد يمكنه ذلك بدون أن يكون محل إعجاب الآخرين. لهذا، ينبغي الإعجاب بالذات (ولا أقصد "مجاملة الذات"). هذا ما ينبغي حتى نكون مع الآخرين ومع العالم، و"المعنى" هو هذا الـ"مع"، لا أكثر ولا أقل.



الهوامش
(*) ولد جان لوك نانسي سنة 1940 بمدينة بوردو (bordeaux) الفرنسية. تأثره بجاك ديريدا الذي أصبح صديقاً له، واطلاعه على كتابات ألتوسير، دولوز، هيدغر، بلانشووهولدرلين جعل منه مفكراً في قضايا العالم والإنسانية. عمل أستاذا للفلسفة بجامعة ستراسبورغ منذ 1968 وإلى غاية 2004. وهو يجوب العالم اليوم، رغم كبر سنه والمرض، يحاضر ويلقي الدروس.
 (**) فضلنا استعمال "سكنى" ترجمة لـ l’habiter  وHabitation بدلا من "إقامة" أو "الحل" الذين يترجمها إليهما البعض، نظرا لطابع الدوام الذي يحايثالإقامة باعتبارها مكوثاً غير محدود، مما لا يحتمل فكرة "السفر" و"الترحال" ذلك أن "السكنى" ملازمة للحركة.


المصدر: عن مجلة "أيس" الجزائرية، فضاء العقل والحرية.

عن مدونة جورج باتاي








الأربعاء، 3 فبراير 2016

أناشيد مالدورور


بالرغم من أن الكثيرين هاجموا لوتريامون لكننا الآن سنعترف بعبقرية هذا الشاعر "وانه رسم هذا العالم كما هو" هنا لا توجد كآبة أو سوداوية بل حقيقة مروعة حقيقة مرعبة لا نريد الاعتراف بها وهي موت الإنسان .... اللغة الصادمة تثير الكثير من الأسئلة وتنقل لنا صورة هذا المخلوق الذي يسمى إنسانا المخلوق الذي سعى دائما كي يكون شبيه مزبلة